هل بدأ الإنقلاب على الجيش اللبناني؟

هل بدأ الإنقلاب على الجيش اللبناني؟

  • ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

ما هو ظاهر الآن أنّ الجيش لم يعُد خارج اللعبة، بل أصبح في قلبها، وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة ليس في موقع الشريك، بل في موقع المُستهدف.

ما حصل مع زيارة قائد الجيش إلى واشنطن لم يكن تفصيلاً عابراً. كان تغييراً واضحاً في طريقة تعامل الأميركيين مع المؤسسة العسكرية، وبشكل مفاجئ وصادم. فمنذ سنوات طويلة كان قائد الجيش يدخل إلى واشنطن بثقة كاملة، من دون انتظار، ومن دون شروط. كل القادة السابقين كانوا يحصلون على إستقبال رسمي، إجتماعات عالية المستوى، ورسائل واضحة بأنّ المؤسسة العسكرية هي الشريك الأول والأخير للدولة الأميركية في لبنان. اليوم، هذا الباب أُغلق فجأة.

الإلغاء لم يكن المشكلة. المشكلة كانت في اللغة التي رافقته. السيناتور ليندسي غراهام خرج بكلام غير مسبوق، ليس فيه أي دبلوماسية أو مجاملة. قال إنّ الجيش اللبناني لم يعد «إستثماراً جيداً»، وإنّ قيادته «لا تقوم بما هو مطلوب منها»، وإنّ موقفها من إسرائيل «غير مقبول». هذا الكلام لم نسمعه أبداً من قبل، لا في عزّ حرب 2006، ولا في أصعب اللحظات التي مرّ بها لبنان. وقد كان واضحاً أنّ الهدف ليس الرسالة… بل الإهانة.

في المقابل، كانت إسرائيل تتحرك في الإتجاه نفسه: بيانات يومية، إتهامات جاهزة، ونبرة واحدة متكررة: الجيش لا يفرض سيادة الدولة على الجنوب. وكأنّ هناك محاولة متعمدة لبناء صورة جديدة: الجيش لم يعد قادراً، والجيش لا يتحمّل مسؤولياته، والجيش لم يعد يملك الدور الذي كان يفترض به أن يلعبه.

هذا التلاقي بين واشنطن وتل أبيب ليس مصادفة. فالتوقيت حساس، والحدود مفتوحة على أي اشتعال، والضغوط الإقليمية تتراكم. وفي لحظة كهذه، يصبح ضرب المؤسسة العسكرية خطوة لها وظيفة واضحة، إضعافها قبل الدخول في أي ترتيبات جديدة في الجنوب. فمن دون غطاء دولي، يصبح الجيش مكشوفاً. ومن دون دعم سياسي، يتراجع تأثيره. ومن دون ثقة خارجية، يصبح جزءاً من المشكلة بدل أن يكون جزءاً من الحل.

داخل لبنان، الإنطباع كان واضحاً، الجيش دخل مرحلة جديدة. فالمؤسسة التي كانت تُعتبر «الركن الأخير» في المعادلة اللبنانية، و«الجهة الوحيدة المقبولة دولياً»، أصبحت فجأة تحت ضغط لم تعرفه منذ عقود. والطبقة السياسية، كالعادة، تتفرّج بصمت.

وهنا يرتفع السؤال الذي يهرب الجميع من طرحه مباشرة: هل ما يجري هو حادث تقني؟ أم هو بداية «ضربة سياسية» على الجيش؟ هل الهدف الضغط… أم إعادة رسم موقع المؤسسة بالكامل قبل المرحلة المقبلة؟

ما هو ظاهر الآن أنّ الجيش لم يعد خارج اللعبة. بل أصبح في قلبها.

وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة… ليس في موقع الشريك، بل في موقع المستهدَف.