البيئة تدفع ثمن البريكست

البيئة تدفع ثمن البريكست

  • ٢١ كانون الثاني ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

كشف تحليل مفصل في صحيفة الغارديان البريطانية بيانات من معهد السياسة البيئية الأوروبية، تفيد أنّ الحماية القانونية الحيوية للبيئة وصحة الإنسان في إنكلترا يتمّ تدميرها في مرحلة ما بعد البريكست الذي دخل حيّز التنفيذ في 1 يناير 2021، وتخلّي المملكة المتحدة عن تشريعات الإتحاد الأوروبي. إذ تستمد بريطانيا 85 في المئة من إجراءات الحماية البيئية من تشريعات الإتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من وعود رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون ووزير الدولة في وزارة التسوية والإسكان والمجتمعات مايكل جوف، وغيرهما من مهندسي خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، بتعزيز الحماية البيئية، لكن ما يظهره تحليل الغارديان يبيّن العكس.

إذ سيتمّ السماح بإستخدام المواد الكيميائية السامة المحظورة في الإتحاد الأوروبي، وستقلّل المملكة المتحدة من إنبعاثات الغازات الدفيئة بشكل أبطأ، وستصبح مياهها أكثر هدوءاً وأكثر تلوثاُ، ومن المرجّح أن تساهم المنتجات الإستهلاكية في إزالة الغابات على مستوى العالم. وعليه، ستغدو المملكة متخلفة عن الإتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالتنظيم البيئي، حيث يقوم الوزراء بإلغاء تدابير الحماية البيئية.

 

وقال رئيس السياسة البيئية في المملكة المتحدة مايكل نيكلسون «إنّ المملكة المتحدة تبتعد بهدوء عن التشريعات البيئية  التي ينصّ عليها  الإتحاد الأوروبي. و إنّنا نشهد إتجاهاً متزايداً نحو تحسين القوانين البيئية في الإتحاد الأوروبي فيما  المملكة المتحدة لا تحذو حذوه. وفي بعض المناطق، هناك خطر حقيقي من أن نعود إلى الوراء ويمثل هذا التراجع مشكلة، لأنّه لن يقوّض المستويات الحالية لحماية البيئة فحسب، بل سيؤثر على إتفاقية التجارة والتعاون الخاصة بنا مع الإتحاد الأوروبي والتي  تتضمن التزاماً قانونياً محدداً، تمّ تأكيد هذا الإلتزام من قِبَل العديد من الوزراء، حيث أشاروا الى أنّ  المملكة المتحدة ستحتفظ بمعايير عالية ولن تتراجع بعد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي».

 

وتخشى الشركات من عدم قدرتها بعد الآن على التصدير إلى أكبر أسواقها، مع تزايد تفاوت المعايير بين المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي، ذلك لأنّ بعض المواد الكيميائية المسموح باستخدامها في المملكة المتحدة يتمّ حظرها من قبل الإتحاد الأوروبي.

 

أما  في ما يخصّ  إيرلندا الشمالية يتمّ الحفاظ على العديد من السياسات البيئية الأوروبية على الرغم من إنسحاب المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي. ويتضمن ذلك الإلتزام الحفاظ على معايير الجودة البيئية وحماية الحياة البريّة والتنوّع البيولوجي وحماية المياه والهواء والتخلّص من النفايات بطرق مستدامة. لذلك إنّ هذه الإختلافات في التنظيم بين أيرلندا الشمالية وبقية المملكة المتحدة لها آثار على التجارة والسياسة.

والتغييرات في السياسات البيئية في المملكة المتحدة طالت 14 بنداً تنظيمياً وهي:
القوانين الكيميائية

غادرت المملكة المتحدة هيئة تنظيم المواد الكيميائية في الإتحاد الأوروبي، التي تعمل على حظر المواد التي يتبين أنّها ضارّة على صحة الإنسان. وبعد خروجها من الإتحاد الأوروبي، عملت على نسختها الأصغر حجماً وأطلقت عليها إسم  “UK Reach” ، ومن شروطها تسجيل وتقييم وترخيص وتقييد المواد الكيميائية في المملكة المتحدة. وتُلزِم الشركات تسجيل المواد الكيميائية التي ينتجونها أو يستوردونها إلى المملكة المتحدة وتقديم معلومات مفصلة عنها، مع ضمان سلامتها وتحديد أي مخاطر محتملة على الصحة البشريّة أو البيئيّة.

 

وقد حدّد الإتحاد الأوروبي ثماني قواعد، تقيّد إستخدام المواد الكيميائية الخطرة، منذ خروج المملكة من الإتحاد الأوروبي، وهناك 16 قاعدة أخرى في طور الإعداد. ومع ذلك، لم تحظّر المملكة أي مواد في ذلك الوقت، وهي تدرس قيدين فقط: ذخيرة الرصاص، والمواد الضارة في حبر الوشم.

 

ومنذ عام 2020 أضافت الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية 26 مادة على قائمة «المواد المثيرة للقلق الشديد»، وهي مواد مسرطنة أو تؤثر على الجهاز التناسلي، فضلاً عن كونها ثابتة في البيئة وتتراكم بيولوجياً. وهي إلى حدٍ كبير مواد كيميائية تستخدم في التصنيع، مثل ثنائي (4-كلورو فينيل) سلفون الذي يستخدم لصنع البلاستيك، والميلامين، وهو بلاستيك يستخدم في الألواح القابلة لإعادة الإستخدام.  ولذلك قرار المملكة مواصلة إستخدام هذه المواد  سيؤثر سلباً على التجارة بينها وبين الإتحاد الأوروبي.

مبيدات الحشرات
لم تلتزم المملكة المتحدة بحظر 36 مبيداً ضاراً، يحظّر إستخدامها في الإتحاد الأوروبي، وأشهرها الثياميثوكسام، ومادة نيونيكوتينويد شديدة السمية للنحل، التي يمكن أن تبقى في التربة لفترة طويلة بعد زراعة البذور المعالجة. وهذا يعني أنّ المزارعين في المملكة المتحدة يمكنهم إستخدام المنتجات التي ثبت أنّها تضرّ اللافقاريات والحشرات.

السلع عالية ثاني أوكسيد الكربون

فرض الإتحاد الأوروبي تعرفة جمركية على المنتجات التي تحتوي على نسبة عالية من ثاني أوكسيد الكربون (الأسمنت والحديد والصلب والألمنيوم والأسمدة والكهرباء والهيدروجين في مرحلته الأول)، والمعروفة باسم آلية تعديل حدود الكربون، في محاولة لخفض إنبعاثات الكتلة. ستبدأ بريطانيا بتطبيق الحظر، على شكل خطة وليس قانوناً، عام 2027، وستكون واردات المملكة المتحدة الأكثر تلوّثاً من تلك الواردة إلى الإتحاد الأوروبي.

 

إزالة الغابات

أصدر الاتحاد الأوروبي تشريعاً يحظّر إدخال المنتجات المشتقة من إزالة الغابات الى سلسلة التوريد الخاصة به، مثل الخشب والمطاط ولحم البقر والجلود والكاكاو والقهوة وزيت النخيل وفول الصويا، وبموجب هذا التشريع، يتعين على المنتجات أن تكون خالية من إزالة الغابات للوصول إلى السوق الأوروبية، وإلّا فلن يتمَّ قبولها. فيما المخطط الذي أعلنته المملكة المتحدة مؤخراً يتعلّق بإزالة الغابات بشكل غير قانوني من سلسلة التوريد فقط، ويستبعد بعض المنتجات الشعبية بما في ذلك القهوة.

صندوق المناخ الاجتماعي

يحمي الصندوق الأشخاص الأكثر ضعفاً من تكاليف التحوّل الأخضر في الإتحاد الأوروبي. ويمكن إستخدامه لدعم الدخل المباشر والإستثمارات في تجديد المباني الموفرة للطاقة والنقل المستدام. وهذا غائب في بريطانيا، مما سيعقِّد إتخاذ قرارات مساعِدة للبيئة في المملكة المتحدة مقارنةً بدول الإتحاد الأوروبي.

 

تعديل جيني

أصدرت المملكة المتحدة قانون التكنولوجيا الوراثية (التربية الدقيقة) لتحسين كفاءة المزارعين، ولزراعة النباتات وتربية الحيوانات التي تحقّق المزيد من الأرباح، في وقت يفرض الإتحاد الأوروبي قيوداً صارمة على السلع المعدلة جينياً.

 

تلوث الهواء

لقد قامت المملكة المتحدة بتخفيف إلتزامها بالسقف الوطني للإنبعاثات الذي تمّ تحديده في تشريعات الإتحاد الأوروبي. وأفادت الهيئة الرقابية بأنّ هذا التخفيف سيؤدي إلى تدهور جودة الهواء في المملكة المتحدة. ولذلك، يتوجب على الحكومة البريطانية تنفيذ خطة للحدّ من إنبعاثات الملوثات مثل أكاسيد النيتروجين والأمونيا، والنظر فيها مرّة أخرى، إذا كان من المتوقع تجاوز الإنبعاثات للأهداف المحدّدة. ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى جعل جودة الهواء في المملكة المتحدة أسوأ من جودة الهواء في الإتحاد الأوروبي.

 

إعادة تدوير البطارية
خضعت البطاريات في الإتحاد الأوروبي لمزيد من التنظيم منذ خروج المملكة المتحدة من الكتلة، مع جواز سفر رقمي، وسياسة العناية الواجبة، وأهداف جمع النفايات والحد الأدنى من مستويات المحتوى، وهذه التدابير لا تزال غائبة في المملكة.


جودة المياه
يعمل الوزراء في المملكة المتحدة على خطط إزالة التوجيه الإطاري للمياه الخاص بالإتحاد الأوروبي وهو من الأهداف الملزمة قانوناً، (هو مفهوم يشير إلى إطار قانوني وسياسي يُستخدم لإدارة الموارد المائية في إطار شامل. يهدف التوجيه الإطاري للمياه إلى تحقيق أهداف مستدامة للإدارة المتكاملة للموارد المائية، وتحسين جودة المياه وحماية النظم البيئية المائية)، والذي يُلزِم الدول على تنظيف الأنهار والبحار القذرة من التلوّث الزراعي والكيميائي والصرف الصحي، إلى جانب التراجع عن توجيهات الموائل، التي تحمي موائل الحياة البرّية النادرة في الإتحاد الأوروبي، حتى لا يتمكن مطورو العقارات من تلويث الممرات المائية القريبة. 

الإنبعاثات الزراعية
من المقرّر تعديل توجيه الإنبعاثات الصناعية، التي يُلزم الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء التحكّم فيها وتقليل تأثيرها على البيئة، لتشمل الزراعة المكثفة بما في ذلك الماشية والخنازير والدواجن.

تلوث الهواء

من المقرّر أن يعزّز الاتحاد الأوروبي توجيهات جودة الهواء المحيط، التي تحدّد حدود تركيز بعض الملوثات التي تعتبر ضارة بما في ذلك ثاني أوكسيد النيتروجين (NO2) والجسيمات الصغيرة. ويناقش الإتحاد الأوروبي أيضاً ما إذا كان سيزيد من تنظيم المواد المستنفدة للأوزون. وعليه ستخضع جودة الهواء في الاتحاد الأوروبي لقيودٍ قانونية أكثر صرامة مما هي عليه في المملكة المتحدة. 

 

مواد نادرة

هناك لائحة أخرى للإتحاد الأوروبي قيد التنفيذ وهي قانون المواد الخام الحرجة، الذي يغطي 34 مادة ذات أهمية صناعية مهمة لبناء وإنتاج مزارع الرياح والبطاريات والألواح الشمسية. ولائحة تنظيمية تحدّد الأهداف المتعلقة بالإستخراج والمعالجة وإعادة التدوير والإستهلاك، فيما الإستراتيجية المقترحة في المملكة المتحدة محدودة جداً، ولا تلحظ إلّا إجراء تحقيق في إنتاج بعض الأموال لدعم سلاسل التوريد.

 

الموضة السريعة وهدر الطعام
إقترح البرلمان الأوروبي الطرق التي سيتمّ بها التخلّص من الملابس والطعام، وستكون أكثر صرامة من المملكة المتحدة، مما قد يعني أنّ النفايات ستتراكم بوتيرة أعلى في المملكة المتحدة، وهذا بدوره قد يتسبّب في زيادة الإنبعاثات الكربونية المرتبطة بمعالجة النفايات، وقد يعني أيضاً زيادة الضغط على مدافن النفايات المحلية.

إعادة التدوير الكهربائية
من المرجح أن يتمَّ تطبيق الحكم المتعلّق بتوجيه إعادة تدوير نفايات المعدات الكهربائية والإلكترونية في الإتحاد الأوروبي وإذا تقرّر عدم تطبيقه في المملكة المتحدة، سيؤدي إلى المزيد من النفايات ومدافن النفايات.