إغتيال الطبطبائي… ضربة لإيران ومقدمة للموجة الثانية من القتال؟
إغتيال الطبطبائي… ضربة لإيران ومقدمة للموجة الثانية من القتال؟
مهما حاولت إيران الإستجداء للحفاظ على موطئ قدم لها في لبنان، فإنّ ميزان القوى ينزلق من يدها تدريجياً.
لم يكن إغتيال أبو علي هيثم طبطبائي مجرد عملية عسكرية عابرة. الرجل لم يكن إسماً عادياً داخل حزب الله، ولا مجرد قائد ميداني إرتبط بجبهة ما. طبطبائي، الإيراني الجنسية، كان أقرب إلى الودائع الاستراتيجية التي زرعتها طهران داخل الحزب. قائد صلب، شديد الإرتباط بالحرس الثوري، حاضر في كل ساحات إيران المفتوحة، من سوريا إلى اليمن إلى العراق. قاد معارك كبرى في سوريا، شارك في إعداد الحشد الشعبي، وأسهم في إدارة العمليات في اليمن، قبل أن يتولى المهمة الأخطر، إعادة هيكلة حزب الله بعد الإنهيار القيادي الذي أصابه في معارك 2024.
إغتياله في غارة إسرائيلية دقيقة يعيد التأكيد على معادلة لا يريد الحزب الإعتراف بها. التفوق الإستخباراتي والعسكري الإسرائيلي ما زال مطلقاً. إسرائيل تضرب في العمق، في الزمن الذي تختاره، وبالرسالة التي تريد إيصالها. واغتيال شخصية بهذا الحجم ليس مجرد تصفية، بل إعلان بأنّ بنك الأهداف مفتوح، وأنّ يد إسرائيل لا تزال الطولى في المواجهة.
وفي مقابل هذه الضربة النوعية، تبدو الدولة اللبنانية في مكان آخر تماماً. السلطة، التي تتصرف وكأنّ 1701 هو خط جغرافي جنوب الليطاني فقط، تتناسَى أنّ الدستور الذي نشأت عليه الدولة يمنع وجود أي سلاح خارج الشرعية شمال الليطاني وجنوبه. الغياب الرسمي فتح الباب أمام مشهد عبثي: إسرائيل تنفذ عمليات كثيفة، والحزب يراقب، والدولة تتفرج.
أما حزب الله نفسه فهو اليوم بين نارين. الأولى: الحسابات الإيرانية التي تضغط عليه بعدم الرد. طهران، التي تسوّق لنفسها في واشنطن كضامن غير مباشر لأمن إسرائيل عبر الحزب، تريد تثبيت معادلة الوجود، اتركوا لنا لبنان ونحن نضبط إيقاعه. هذه المقاربة تفرض على الحزب خطاب ضبط النفس، أو كما يقول العسكريون داخل الحزب. إدارة الخد الأيمن.
والثانية تأتي من الداخل، المقاتلون والكوادر الذين يرون أنّ الصمت بات خللاً استراتيجياً، وأنّ الرد هو السبيل الوحيد لمنع إسرائيل من فتح موسم إغتيالات جديد داخل الضاحية وخارجها. لكن القرار ليس بيدهم، وميزان القوى السياسي والإقليمي يميل بوضوح لصالح طهران.
ومع ذلك، الترجيحات اليوم واضحة، الحزب لن يرد، وإسرائيل ستستغل الفراغ السياسي والإرتباك العسكري لتوسيع العمليات، وربما الذهاب نحو جولة إغتيالات أكبر. أما أي رد فعلي من الحزب فسيدخله مباشرة في الموجة الثانية من القتال، موجة قد تكون الأكثر كلفة منذ تأسيسه، دماراً وخسائر وتأثيراً على بيئته
لكن مهما حاول الحزب دفن رأسه في الرمال، فإنّ المواجهة الكبرى مع إسرائيل تبدو حتمية. ومهما حاولت إيران الإستجداء للحفاظ على موطئ قدم لها في لبنان، فإنّ ميزان القوى ينزلق من يدها تدريجياً. وفي نهاية هذا المسار، يبقى الثمن الأكبر دائماً هو أرواح الناس الأبرياء، الذين يموتون فرق عملة في صراع لا قرار لهم فيه

