مَن يخترع لنا الزعتر اللّبناني؟

مَن يخترع لنا الزعتر اللّبناني؟

  • ٢٧ حزيران ٢٠٢٤
  • عبدالله ملاعب

في اليوم العالمي للمشاريع الصغيرة والرائدة، الشباب اللبناني مصمّم على العودة وإن طاف الدنيا، وهنا مثال!

ليس الاغتراب أمراً سهلاً، وإن بات اليوم فرجاً، في زمن القحط الإقتصادي والإجتماعي اللبناني. أن يترك المرء بيته وأرضه ويضع ذكريات الطفولة في حقيبة سفره ويرحل، يعني أن يترك نفسه، ويمضي في المجهول. يوم كنتُ مغترباً في مدينة أحبّ كنت أقول: نصفي هنا، في بلد الإغتراب، وكلّي هناك، في لبنان، «العزيز» وإن جار علينا الزمن.

معجم اللّغة العربيّة يقول لنا، إنَّ الإغتراب ومصدره «اغترب»، يعني  فقدان الشخص ذاته وشخصيته، وهي في مرجع لغوي آخر تعني الحالة السيكو اجتماعيّة المسيطرة بشكلٍ تام على فرد، تحوّله إلى شخصٍ غريبٍ وبعيد عن بعض النواحي الاجتماعية في واقعه.

يكاد يكون لبنان اليوم في أسوأ حال. حربٌ تستنزفنا منذ 8 أكتوبر 2023، قضت على أكثر من 400 لبنانيّ ودمرت مدناً وقرى. وخطرٌ يوميٌ من توسّع الحرب. ونحن الباقون ههنا، نعيش كلّ يوم بيومه. أما المغتربون بعضهم يأتي كل صيف، وسيأتي هذا الصيف لقضاء العطلة الصيفية، والبعض الآخر أتى قبل حين ودمعة في عينيه. يريد البقاء، ويحبّ البقاء، ويعيش معنى «الإغتراب» خارج الوطن. 

يُقال إنّ الابتكار يخلق من رحم المعاناة، وهو أيضا خيار المغتربين الذين يؤمنون بالعودة ويعانون من مشقَّات الغربة. مغتربون شباب، يأتون وفي كل زيارة إلى لبنان مع فكرة أو مشروع إقتصادي ريادي جديد يتمنون أن يكون منقذهم للبقاء على أرضهم، وإن كان الإغتراب يحمل معه طمأنينة أو جنسية من هنا، أو عقد عمل مميز من هناك. 

من بين أولئك الشباب، يأتي جلال العَبَنّي، إبن بلدة بمهري الشوفية، الذي اغترب إلى ألمانيا عام 2009، بعد أن أنهى تعليمه الثانوي في لبنان، ليتلقى هنالك دروسه الجامعية، ومن ثم يعمل في بلاد الإغتراب بمجال الهندسة. 

كالعديد من الشباب اللبناني، اختار جلال المتعلّق بالأرض والأهل والأرز اللبناني، أن يدخل عالم ريادة الأعمال من الشقّ البيئي الغذائي، علَّه ينجح في إطلاق «مشروع العودة إلى الوطن» كما يحلو له وصفه، رغم حال الوطن المتهاوي.

اختار جلال، الأرض الطيّبة. زرعها «زعتر»، بكل ما تحمل هذه النبتة من دلالات ثبات وارتباط بالأرض والوفاء لها. أطلق على مشروعه إسم “Thymescape” لعلّ المنتجات التسعة التي ينتجها من نبتة الزعتر المزروعة في جبال الشوف، على علو يصل إلى 1500 مترا، تكون باب فرار من مشقات الإغتراب.

في حقله اليوم، 20 ألف نبتة من الزعتر، تُشكل بمحاذاة شجر الأرز في محمية أرز الشوف، مشهداً لبنانياً ليس له مثيلا في بلدان الاغتراب كلّها. وعلى مغلّفات وأكياس الزعتر والأعشاب والمنتجات التي ينتجها من أرضه، رسم جلال هذه اللوحة اللبنانية ويطمح أن تجول هي العالم، فيما هو يبقى ههنا في لبنان. 

قصة جلال واحدة من مئات القصص. لشباب يخال العودة إلى لبنان جنوناً ولكنه يؤمن بها. لتصح عبارة الأخوين الرحباني، «بجنونك بحبك». وتصح  أيضا عبارة محمود درويش الشهيرة: «إنَّا باقون ما بقي الزعتر والزيتون»!