إمشِ في طبيعة لبنان

إمشِ في طبيعة لبنان

  • ٢٣ حزيران ٢٠٢٤
  • خاص بيروت تايم

في طبيعة لبنان تدرك أنّ هذه الأرض عرفت منذ آلاف السنين آلاماً وعرفت كيف تمتصها وتحوّلها الى بركة وإبداع تجلّى أدباً وموسيقى وشعراً ورسماً وصوراً وحقولاً. هي مكان للتوقّف مؤقتاً عن كفاح الحياة اليومية، عن «إنتظار الحرب في الحرب» لإستعادة أرواحنا والتواصل معها.

هي معلومات بديهية يعرفها الجميع أنّ قضاء وقت في الطبيعة أو أي مساحة خضراء يحسّن من الصحة النفسية والمزاج والتركيز والى آخره

هذا صحيح أمّا في لبنان القصة لا تتوقف على ما تأتي به الإرشادات الطبية والنفسية. أنتَ بحاجة الى إستثمار وقت في الأماكن الطبيعية في لبنان أكانت غابات او جبال جرداء وشواطىء بحرية، أو أي مشهد طبيعي مهما كان نوعه، بمثابة علاج لعلاقتك بأنّ في هذه البلاد هناك ما يدعو الى التفاؤل ، وأنّ كلّ ما ليس من صنع بعض من أهله ومن حكامه فيه جمال وهدوء ومتعة للعين والذهن ، أن تمشي في طبيعة لبنان، كأنّك تقاوم كلّ التفاهات والفشل والبشاعات والكآبة التي تحاصرك على مرّ الدقائق والساعات . وأنّ هناك مخلوقات لا تمت بصلة الى صانعي السياسة والحروب والفساد والقتل والعنف اليومي، وهذا نوع من المواجهة الهادئة والحقيقية.

تكتشف أنّ في هذه البلاد ما هو أعمق وأجمل من طوائف المتكلمين والثرثارين والمهددين. ،الذين سرقوا أيامنا وأفسحنا لهم المجال، فلم نمنع أنفسنا من مقاطعة ثرثراتهم، فإنتفخ كلامهم في حياتنا وتمدد ثم تجزّأ متحوّلاً إلى جيش عرمرم، فإذا غادرته هارباً، ظلَّ صداه يتمايل مختبطاً في باطنك، إختباط طعام لا تهضمه المعدة …

فالكلام وأبو الكلام وأخاه، يلبسون الكذب رداءً، والإحتيال عمامة ً وحذاءً. يجلس على عرشه متوج الرأس، ينسل كالأفاعي في دماغك، يسمم نومك ونهارك. فتتمنى في هذا البلاد أن تجِد طائفة من الخرسان لتنتمي إليها.

أُهرب من التكرار الممل، أتركهم وراء ظهرك، تجاهل بشاعتهم، فكل خطوة هناك لا تشبه سابقتها، للطبيعة إيقاعها المتغير في هدوء تشعر به في أعماقك، تتسرّب اليك نعمة السكينة والهدوء ، وتتكشّف رفاهيتك من عمق ارتباطك الروحي بجميع أشكال الحياة: النباتات والمياه والجداول والسماء والرياح والحشرات والطيور والاشجار والصخور. وتدرك أنّها تجربة متأصلة في هويتنا ولكن مع مرور الوقت والتجارب والملهيات التافهة في هذه البلاد قد نسينا قيمة هذه العلاقة. وتدرك أنّها الترياق القوي للإغتراب الذي أحدثه من تسلموا حياتنا فنسينا ما هو جميل وهاديء، ولا يشبه عابري السبيل  في تاريخ هذه البلاد الذين رموا كل قيحهم وقذاراتهم في وجهنا، فقررنا أن نلوذ بالفرار الى أماكن خارج حدودها.
ففي طبيعة لبنان تدرك أنّ هذه الأرض عرفت منذ آلاف السنين آلاماً وعرفت كيف تمتصها وتحوّلها الى بركة وإبداع تجلى أدباً وموسيقى وشعراً ورسماً وصوراً وحقولاً وعائلات وقيم وأحفاد وتقاليد وطعام وصلوات. هي مكان للتوقّف مؤقتاً عن كفاح الحياة اليومية، التوقّف عن «إنتظار الحرب في الحرب» لإستعادة أرواحنا والتواصل معها.