عن الجندي وكلبه والعجوز الفلسطينية

عن الجندي وكلبه والعجوز الفلسطينية

  • ٢٧ حزيران ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

تخيل امرأة عجوز، ضعيفة ومريضة، عاجزة عن الحركة، مستلقية في فراشها وتعاني من نقص الدواء. فجأة، يدخل كلب بوليسي مدرّب إلى غرفتها، ويهاجمها. والمفارقة أنّ الحدث تزامن مع اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب.

 إذا كان كلّ ما في الطبيعة ثمين وجميل وأثمن ما فيه الإنسان، الذي نقل ما في طبيعته من شرور مكتسبة الى حيوان هجنت طبيعته للتناسب مع  عالم القمع المنظم، منه والعشوائي، متبادلاً الأدوار بينه وبين الحيوان.

عادة يقال حيونة الإنسان فيما هنا صارت أنسنة الحيوان، فالحيوانات لا تبني لها معسكرات، ولا غرف إعتقال، ولا تحتل بيوت الآخرين، ولا تعذّب أبناء جنسها إلى أن تهلكها من الألم، فهي من إستغلّها الإنسان كوسيلة إضافية لوحشيته في حروبه المدمّرة، حيث تروى آلاف الحكايات عن الكلاب البوليسية في الحروب.

أدوار الحيوانات تاريخياً
على مر التاريخ، تمّ تدريب الحيوانات للقيام بمهام عسكرية وهذه ليست ظاهرة حديثة؛ ومنذ أن حارب البشر  إستخدمت القوات المسلحة الحيوانات وفي جميع أنحاء العالم.ومن أشهر الأمثلة على حيوانات الحرب صورة هنيبعل يعبر مع أفياله سلسلة جبال الألب في طريقه لمواجهة روما في القرن الثالث قبل الميلاد. حينها تمّ إستخدام الأفيال لمهاجمة خطوط المعارضة وإحداث الإرتباك في صفوف العدو عند رؤيته هذا الوحش الكبير للمرّة الأولى.  كما استخدم المغول والهنود فيلة الحرب؛ لكن استخدامها على نطاق واسع إنتهى في القرن الخامس عشر عندما أصبح البارود سلاحًا شائعًا. ربما كان آخر استخدام عسكري لها على الخطوط الأمامية هو نقل الرجال والمواد في حملة بورما خلال الحرب العالمية الثانية.
تاريخيًا، كانت الحيوانات وسيلة النقل العسكري الأكثر إنتشارًا. أو ما يسمى بـ «بهائم الحمل»، من الثيران إلى البغال، في جميع أنحاء العالم لحمل معدات تفوق قدرة الإنسان على حملها. و في الهند خلال الحرب العالمية الأولى كانت الإبل تحمل الجرحى. ومع ذلك، فإنّ الخيول هي بلا شك، كانت الحيوانات الأكثر إستخدامًا على نطاق واسع، حيث تعود الأدلة وتفيد الدراسات أنّ إستخدامها عائد إلى ما قبل 5000 عام في آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية، وصولاً الى فرسان العصور الوسطى.

الكلاب خلال الحروب   
خلال الحرب العالمية الثاني ، مثلاً، إستخدم السوفيات الكلاب، وكانت وسيلة يائسة لدرء زحف الألمان نحو أراضيهم، فتمّ تدريب الكلاب على وضع القنابل على الدبابات الألمانية قبل أن تتوجه نحو برّ الأمان. 
في شهر نيسان من العام ٢٠١٩ عثرت مجموعة من الصيادين النرويجيين على حوت بيلوغا يرتدي حزامًا كتب عليه «معدات سانت بطرسبرغ»، مما يشير إلى أنّ الحيوان كان أحد الأصول العسكرية للبحرية الروسية. وعلى مر السنين، قامت الحيوانات بمهام عسكرية وقد استخدمت القوات المسلحة الحيوانات في جميع أنحاء العالم ومنذ أن حارب البشر بعضهم. 
وفي أميركا، الكلب «ستابي»أحد أعظم أبطال حرب الحيوانات، رافق فرقة المشاة 102 وأعطى الجنود تحذيرًا مبكرًا من الهجمات بالمدفعية وبالغاز وفرق المشاة، أثناء غارة على الدفاعات الألمانية وأصيب حينها بقنبلة يدوية.
في العراق وأفغانستان، لعبت الكلاب في المقام الأوّل دور الكشف عن المتفجرات، ممّا ساعد القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها على تجنّب العبوات الناسفة والألغام. ولقد خدمت أيضًا في فرق هجومية مع مشغلين إختصاصيين. 
والنجم المعاصر لكلاب الحروب «كونان» من فصيلةMalinois
الذي كشف عنه «ترامب » في إحتفال إعلامي في  البيت الأبيض، وعن دوره في مطاردة «أبو بكر البغدادي» في النفق الذي قضى فيه عام ٢٠١٩، ما أحدث ضجة على الإنترنت وحصل  حينها الكلب «كونان» على ميدالية تكريمية ،وعلى صفحته الخاصة على ويكيبيديا.

إستغلال سيكولوجي للوحشية
يُعرف عن الكلب أنّه صديق الإنسان الأوفى، وهو الحيوان الأقرب إليه، يتميّز بسيكولوجية فريدة، مبنية على الذكاء الغريزي والمتكيّف، والذكاء العامل والطاعة. ويشير الذكاء الغريزي إلى قدرة الكلب على القيام بالمهام التي يُربّى من أجلها، مثل الرعي، أو الإشارة، أو الإلتقاء، أو الحراسة، أو الرفقة. كذلك، يتسّم بصفة المنقذ ، وتفيد الدراسات أنّ عدد الأشخاص الذين أنقذتهم الكلاب بحوالى 15000 في الحرب العالمية الثانية و10000 في فيتنام. وفي التاريخ العسكري الأميريكي، كانت الكلاب تعمل في المقام الأول على رفع الروح المعنوية، وبعضها إستخدمت لحراسة السجون بالشراكة مع البشر . وكثير من هذه المشاهد تعكس صورة الكلب المخلص للإنسان. ولكن هل الإنسان كان مخلصاً بدوره ؟ 

كما أنّ الكلب وسيلة من وسائل  الحروب، فتشكّل فرقاً عسكرية من الكلاب ترسل الى المواقع المتقدّمة. وفي صرخات العجوز الفلسطينية الموجعة، بعد هجوم كلب إسرائيلي عليها، تعبير عن العدم الإنساني، بإستخدام الكلب للتنكيل والترهيب، من دون أي مسوّغ قانوني دولي لهذا الأمر. والجدير ذكره، أنّ إسرائيل  تستخدم كلاب وحدة «عوكيتس» في مسح منازل المشتبه بهم، قبل دخول قوات الجيش. يسير جنود «عوكيتس» وكلاب الوحدة عادة على رأس القوة، مع القائد، وتكون العلاقة بين الكلب ومدرّبه هي علاقة شخصية جدًا. إذ يحصل الجندي على الكلب خلال عملية تأهيل، ويقضي معه فترة طويلة.
إلى ذلك، الكلب اليوم في غزة هو أوّل من يدخل الأنفاق ويسجّل الأهداف، وتُشكّل منه فرقاً عسكرية.

التأثير الإجرامي أيضاً على الكلاب
ليس غريباً على الأنظمة المتقدّمة عسكرياً أنّها حوّلت عالمنا إلى مسرح جرائم ودمار، أن تستخدم الكلب في أماكن النزاع هذه. فمن يدّعي أنّ جيشه هو الأكثر أخلاقية، ويضع نفسه تلقائياً على قمّة الهرم البشري، ما هو إلّا دلالة على الإستخفاف بالإنسان الآخر الضعيف والمنكوب، الذي يعتبره الإسرائيلي أقلّ منه شأناً، فيقتل، يغتصب، ويطلق الكلاب على الأبرياء. وإذا كانت هذه المشاهد الإجرامية تؤثّر على نفسية الإنسان، فقد أظهرت الدراسات أيضاً أنّ الكلاب تمتلك مجموعة واسعة من المشاعر مثل الفرح والسعادة، إلى جانب الحزن العميق والقلق، وحتى إضطراب ما بعد الصدمة. إنّ آلامها ومعاناتها لا تقلّ أهمية بالنسبة لها عن آلامنا ومعاناتنا. كما يظهر بوضوح أنّ مشاعرها العميقة هي التي تربطنا بروابط قوية متبادلة معها.

بالمحصّلة، إنّ المشكلة ليست في الكلب المتوحّش الذي نهش يد تلك المرأة العجوز في فلسطين، إنّما الجانب المظلم من الإنسانية، مثل العدوان والقسوة ، أو حتى فقدان البراءة، الذي حوّل الكلب الصديق إلى الكلب العدواني، فيما  الأمر متروك للدول  لضمان المعاملة المناسبة لحيوانات الخدمة الخاصة بها والإستخدام الأخلاقي لقدراتها العسكرية.