الصيد غير القانوني في جبيل.. الجميع غير مسؤول

الصيد غير القانوني في جبيل.. الجميع غير مسؤول

  • ٠٦ تموز ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

صباح 25 حزيران 2024، قام الجيش والمسؤولون عن ميناء جبيل بتنبيه عدد من الصيادين الذي يستخدمون الشباك للصيد، بطرق غير قانونية. توقفت المخالفة لاقل من 24 ساعة. ليأتي صيادون آخرون من خارج جبيل ويضعون شباكهم.

هذه الظاهرة ليست جديدة في جبيل، وبحسب الصيادين الهواة على الشاطئ، فإنّ كمية السمك التي يصطادونها يومياً قليلة، مقارنةً مع السنوات السابقة، وغالباً ما يخرجون بـ 10 أسماك كحدٍ أقصى. ويردون الأمر إلى الصيد غير القانوني عبر الشباك، والتي لم يتحرك أحد إلى ردعها حتى اليوم.

في فيديو على تطبيق «تيك توك» يشرح أحد الصيادين كيف يضع شباكه في المنطقة القريبة من الشاطىء في جبيل، ويفرّق بين صيد  «الصبحية» و«الصفارية»، و «الصفارية» ترمى في المياه  في الليلة التي لم يكتمل فيها القمر بعد الساعة الواحدة ليلاً ،  لأنّ السمك يتحرك مع ضوء القمر ذلك يساعه أن يرى بوضوح، وبعد منتصف الليل يتحرك بوتيرة أسرع.

وبالإشارة إلى نوع الشباك الذي يستخدمه، يتميز بالفتحات الضيقة، المصنوع من النايلون. إذ إنّ  القياس القانوني للشبك هو 2 سنتم، لكنه يفاخر: «كتر خير الله بلبنان ما حدا بيشتغل على القانون، وقليل لتلاقوا 2 سنتم في البحر». كما يشير إلى منطقة الميناء والسنسول أمامه، مفسراً سبب وضع الشباك بالقرب من الشط في منطقة تعرف بالـ «الحرف»، لأنّ السمكة تعيش بالقرب من الصخر. لينهي حديثه عن كميات السمك التي اصطادها، مشيراً إلى أنّ هذه العملية تتكرّر يومياً.

بحسب قرار وزارة الزراعة رقم 346/1 الصادر في آب 2010، المبني على القانون رقم 2775، الصادر عن المفوض الساميّ في عام 1929، يمنع استخدام الشباك إذا كانت أصغر من 2 سنتم، و«يمنع منعاً باتاً استعمال كل معدات الصيد على مسافة تقل عن 500 متر من الشاطئ أو الخلجان أو الثغور أو المؤسسات أو المنشآت العامة والخاصة، باستثناء الصيد مترجلاً بواسطة قصبة ذات صنارتين». وبقرار آخر رقم 8/1 الهادف لتنظيم تحديد بعض أنواع ومعدات الصيد البحري، يمنع إستخدام المصايد/ المصالي بدون رخصة من وزراة الزراعة، على أن لا تتعدى طول الشباك بكافة أبعادها الـ 200 متر، وأن لا يتعدى علو الشباك الـ 25 متر، وأن لا توضع على مسافة تقل عن 500 متر من الشاطئ والخلجان، فيما يمنع استخدامها في الفترة الممتدة بين 15 أيار و15 أيلول من كل عام.   

هذا في القانون، أما في الواقع، يضع الصيادون شباكهم بالقرب من الشاطئ، حيث يتكاثر السمك. كما يضعون الأقفاص على الشاطئ و«السلال أو القفف» وهي عبارة عن أقفاص مدورة، والأقفاص أخرى مربعة الشكل، ويصطادون في المواسم غير المسموح بها الصيد. بل أكثر من ذلك إنّ المنطقة التي ينشط فيها الصيادون ، وتسمى «الشامية»، ستصنف قريباً محمية طبيعية، يمنع فيها كلّ أشكال التدخلات البشرية من الصيد وغيره. 

وعلى الرغم من أنّ السمك يعيش على مقربة من الصخور، ويتغذى من العشب على الصخور البحرية، يقوم الصيادون بنزع الأعشاب عبر شفرات كبيرة، لاستخدامها في الأقفاص لجذب أكبر عدد من السمك.

بحسب مدير المركز الوطني لعلوم البحار في لبنان ميلاد فخري أنّ الشباك المستخدمة في الصيد تؤدي إلى اصطياد كميات كبيرة من الأسماك، بشكل يمنع هروب السمك الكبير والصغير، ويضيف في حديث لـ «بيروت تايم» أنّ هذا يحول دون تكاثر السمك. ولذلك يمنع استخدامها، خاصة بين 15 أيار و15 أيلول، لكن لا أحد يلتزم بالروزنامة السنوية،  كما أنّ روزنامة القانون الجديد لا تزال في مجلس النواب.

لكنه يؤكد أنّ « الصيد ليس العامل الوحيد لتهديد الثروة السمكية، إنّما خسارة البحر الكبيرة لأنواع من السمك، تحصل نتيجة عوامل أكبر مثل إستخدام البواريد لاصطياد السمك الكبير، والجرف بالجروفة غير المتوفرة في لبنان، واستخدام الديناميت في بعض المناطق في لبنان، إضافة الى التلوث والتغيّر المناخي وردم البحر، ودخول الأسماك الجارفة الآتية من البحر الأحمر».

وفيما يختص موضوع العشب فيمكن تعويضه، ذلك لطبيعة بحرنا، فهو مفتوح وبالتالي التيار قوي، كما يحتوي على الكيماويات الضرورية فلو كان البحر مغلقاً لكان هناك اضمحلال في الاوكسيجين مما يعيق نمو العشب على الصخر، لكن العشب على الشواطىء اللبنانية ينمو سنوياً في فصل الربيع وبكمياتٍ كبيرة.

ويشير فخري إلى تقصير وزارة الزراعة في المراقبة والمحاسبة ، فمن الضروري إيقاف الصيادين المخالفين، وفرض غرامة مالية عليهم.

يبرر مستشار وزير الزراعة عبدالله ناصرالدين لـ «بيروت تايم» هذا التقصير، لغياب الشكاوى، وتراجع عدد حراس الأحراج، الموكل اليهم مهمة مراقبة الشواطئ والمخالفات، ويضيف «لدى الوزارة اليوم 52 من حراس الأحراج على 10452 كلم2، ولا قدرة لنا على تتبع كلّ المخالفات، وعلى الرغم من نجاح العديد منهم في إمتحان مجلس الخدمة المدنية، لم تتمّ الموافقة حتى الآن على ادخالهم إلى المؤسسة لاسباب سياسية». يقوم عمل الوزارة اليوم على قاعدة إن شاهد الحراس الموجودين اليوم أي مخالفة، يسطرونها ، أو يتحركون وفق شكوى تصل على الوزارة، وهذا يندرج على ملفات أخرى من القطع الجائر للاشجار والحرائق التي تندلع في لبنان. 

يؤكد ناصرالدين أنّهم بلغوا البلديات بقرار التعاون لرصد المخالفات. وهذا ما ينفيه رئيس بلدية جبيل وسام زعرور لـ «بيروت تايم»، مؤكداً أنّه لم تصله أي شكوى عما يحدث على الشاطئ، فيما لا تمتلك البلدية صلاحية إتخاذ قرار يتعلق بالبحر، ويضيف «نتمنى أن نتبلغ بالتعديات لنرفع شكوى إلى وزارة الزراعة، فهي الجهة المخولة الدفاع عن الثورة السمكية في البحر، ونحن على إستعداد للتحرّك بقوة، لكن بشرط التبليغ عن المخالفات». وبدوره يرمي المسؤولية على حراس الأحراج، الذين لا يقومون بدورهم في المراقبة.

للميناء «ريّسها»، والعارفين في تفاصيل ما يجري يقولون لـ «بيروت تايم» أنّ لا قدرة «للريّس» على إيقاف الصيادين، ولا رغبة لديه للدخول في سجال مع الصيادين، خاصة وأنّ جزءًا منهم من خارج المنطقة، ويأتون إلى جبيل عبر البحر ليضعوا شباكهم. سابقاً جرت مواجهات معهم دون جدوى، ولم تتوقف المخالفات، لأنّ ليست هناك إجراءات جدية ضدهم، خاصة أنّهم بلغوا أحد المعنيين في وزارة الزراعة بالمخالفات، أحياناً كانت الوزارة تتحرك، لكن في معظم الحالات لم يتحركوا بحجة عدم توفر عدد كافٍ من حراس الاحراج.

اليوم، وفي وقت تتحضر مدينة جبيل لمهرجاناتها السنوية، يقفل السنسول لمدة شهرين، لتستقبل المدينة الفنانين والجمهور من الواجهة البحرية، فيما يتسلّل الصيادون من الوراء، ولا قدرة لأحد لمدة شهرين من رؤيتهم ورصدهم ومنعهم من الصيد غير القانوني. فيما البلدية والوزارة وأبناء المنطقة، ينتظرون رفع المنع السياسي والطائفي عن حراس الأحراج، كي لا يختفي سمكنا حفاظاً على توازننا الطائفي.